ألقى وزير البترول والثروة المعدنية معالي المهندس علي بن إبراهيم النعيمي كلمة في (مؤتمر صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل – رحمه الله – سعود الأوطان) صباح هذا اليوم الاثنين 18 رجب 1437هـ الموافق 25 أبريل 2016م، مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات، كلمة شكر فيها صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل على دعوته للحضور والمشاركة في هذا اللقاء، قائلاً: يسعدني، ويشرفني أن أكون ضمن المتحدثين عن أحد أهم رجالات هذا البلد، إنه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل – يرحمه الله – وزير الخارجية المتميز ولفترة تصل إلى أربعين عاماً، ووكيل وزارة البترول والثروة المعدنية الناجح، والذي تربطني بسموه علاقات شخصية، وعلاقة عمل، امتدت نحو ثلاثين عاماً.
وأضاف معالي المهندس النعيمي بقوله: الجميع يعرف سمو الأمير سعود الفيصل كرجل دبلوماسي فذ، وكرائد في العلاقات الدولية، بل صاحب مدرسة في العلاقات الدولية السياسية، اتسمت بالرصانة، والتأني في إبداء الرأي، واتخاذ القرار، إضافة إلى دراسة الأمور من كافة جوانبها، قبل اتخاذ موقف حولها، مع الاستعداد لتغيير هذا الموقف، عندما تستدعي مصالح المملكة ذلك، وعدم إغلاق الأبواب بشكل نهائي، بل تركها مفتوحه لكافة الاحتمالات، وقد دافع عن وطنه، وأبرز صوته وصورته، بشكل قلّ مثيله، وقليل من وزراء الخارجية في العالم، يماثله شرفاً وإنجازاً واحتراماً، وأذكر مشاركة سموه مع عدد من الوزراء العرب والأمريكيين، بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكي الشهير كولن باول، في مؤتمر عن العلاقات العربية/ الأمريكية عام 2003 في مدينة ديترويت، حيث كــان الأمير سعود – يرحمه الله – أكثرهم تميزاً وحضوراً وتأثيراً.
وأشار معالي وزير البترول والثروة المعدنية لدور الأمير سعود الفيصل في التنمية بقوله: " الجميع يتحدث عن الأمير سعود، ودوره وأهميته، في العلاقات والسياسة الخارجية للمملكة، وهذا بلا شك دور متميز، إلا أن هناك أدواراً أخرى لسموه، في القضايا المحلية، والخارجية مثل التنوع الاقتصادي، وتنمية كافة مناطق المملكة، والاهتمام بالعنصر البشري بكافة أطيافه، تعليماً وتأهيلاً، ليكون المحرك لهذه التنمية، فكان سموه، على سبيل المثال، واستمراراً لنهج والده _ يرحمه الله _، يرى وجوب أن تقوم المـــرأة السعودية بدور أكبر وأهم في التنمية الوطنية (اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً)، ليرفع من مشاركتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن ".
ومن جانب آخر، تحدث معالي المهندس علي بن إبراهيم النعيمي عن علاقته الشخصية بسمو الأمير سعود، حيث قال: " قابلت سمو الأمير سعود أول مرة، عام 1985، خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – يرحمه الله – للولايات المتحدة، وكنت من ضمن المدعوين للحفل الذي أقامه الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان للملك، ومن حسن حظي، أنني كنت بجانب سموه، وقد دار بيننا حديث لازال محفوراً في ذاكرتي، لقد كان سموه دمثاً متواضعاً، ذا أخلاق عالية، مع روح الدعابة، وسلامة المنطق، يضاف إلى هذا كله، سعة الاطلاع والمعرفة، بالقضايا الخارجية والداخلية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
وتمضي الأيام، وتزداد علاقتي بسموه عمقاً، وبالذات بعد أن أصبحت وزيراً للبترول والثروة المعدنية في عام 1995م، فبعد تعييني بأشـــهر، تم إنشاء لجنة مصغرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز _ يرحمه الله _، ضمت صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل _ يرحمهما الله _ ، حيث يحال إليها القضايا السياسية والاقتصادية الهامة، لدراستها ومناقشتها مع الوزير المسؤول، ومن ثم عرضها على مقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، أو خـــــادم الحـــرمين الشــريفين الملك عبداللـه بن عبدالعـــــزيز (عندما كان ولياً للعهد، وبعد أن أصبح ملكاً) - يرحمهم الله-، وقد أحيل إلى تلك اللجنة العديد من القضايا البترولية والتعدينية، لدراستها، والرفع بالتوصيات حيالها.
وقد كان سمو الأمير سعود الفيصل، يعطي أهمية كبيرة للقضايا الاقتصادية والبترولية، ويدرس تفاصيلها، ويناقشها بدقة الخبير، مع إعطاء أهمية كبيرة لمصالح المواطن السعودي، والتنمية الداخلية، وبعد ذلك العلاقات الاقتصادية الخارجية، وارتباطها بالجوانب السياسية.
وفي عام 1998، طرح خـــــــــادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يرحمه الله – عندما كان ولياً للعهد، مبادرة البترول، التي تحولت بعد ذلك إلى مبادرة الغاز الطبيعي، وكان الهدف منها فتح المجال للشركات البترولية العالمية، للتنقيب عن الغاز الطبيعي في المملكة، وإنتاجه، وإنشاء مشاريع للكهرباء والماء، ومشاريع بتروكيماويات، وقد تم يومئذ تكوين لجنة وزارية برئاسة سمو الأمير سعود الفيصل، استمرت تعمل لأكثر من أربع سنوات، وشهدت نقاشات حادة، واختلافات كبيرة، بين أعضاء تلك اللجنة، كان سمو الأمير سعود يفكر من خلال ثلاثة أبعاد مترابطة: الاقتصاد الوطني، وعلاقات ومصالح المملكة الاقتصادية الخارجية، وعلاقاتها السياسية، بينما يركز بعض الأعضاء على جانب واحد، فنحن مثلاً في وزارة البترول والثروة المعدنية، كان تفكيرنا ينصب على تأثير أي قرار قد يتخذ على مصالح المملكة البترولية وصناعتها.
وجرت على مدى أربع سنوات نقاشات قوية وعميقة، بين أعضاء اللجنة الوزارية واللجان المساعدة، وقد كانت آراء ومواقف سموه واضحة وقوية، إلا أنه كان دائماً مستعداً لسماع مختلف الآراء وتفهمها، والاقتناع بها، وتغيير موقفه، عندما يشعر أن ثمة حاجة ومصلحة وطنية تستدعي ذلك، لقد كنا نمضي ساعات في النقاش، وكان سموه مستمعاً قلّ مثيله، ومناقشاً له قيمته، واختلفت مع سمو الأمير سعود في عدة قضايا، والحق يقال، أنه كان يتقبل الرأي الآخر برحابة صدر، دون أن يتعصب لرأيه، بالرغم أنه رئيس اللجنة، والأمير الذي يشار إليه بالبنان، وعندما كان يمتد النقاش إلى المساء، في منزل سموه، يصر على ألا نغادر حتى نشارك سموه العشاء ".
كما تحدث معالي المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية عن اهتمام الأمير سعود الفيصل ودوره في كثير من القضايا البترولية، بقوله: " كان يولي السوق البترولية الدولية، أهمية كبيرة، من حيث الأسعار، والعرض والطلب، ويراقبها عن كثب، وبالذات في حالة حدوث هزات كبيرة في السوق انخفاضاً أو ارتفاعاً، وكان يناقش وضع السوق البترولية معي باستمرار، سواء في اللقاءات العادية، أو ترتيب اجتماعات ثنائية، أو حتى عن طريق الهاتف، ويدرك الترابط الوثيق بين العلاقات السياسية والعلاقات والمصالح البترولية للمملكة، وإمكانية الاستفادة من هذا الجانب من أجل الجانب الثاني، وعندما انخفضت أسعار البترول في عامي 1998، 1999، نتيجة عدم تقيد بعض دول الأوبك بحصصها، كان سموه مهتماً بهذا الموضوع بشكل كبير، ويعمل من أجل إيجاد حل لهذا الأمر، من أجل عودة الأسعار إلى مستويات واقعية تحقق دخلاً مجزياً للمملكة.
وخلال أكثر من سنة ونصف، قامت المملكة بمحادثات، ونقاشات وجولات مكوكية شملت جميع الدول المنتجة الرئيسة للبترول من دول الأوبك وخارجها، مثل روسيا، والنرويج، والمكسيك. وعندما تحصل معضلة مع هذه الدولة أو تلك، كنا نلجأ إلى سمو الأمير سعود لاستخدام نفوذه، وعلاقاته، وتأثيره، لإيجاد حلول واقعية لهذه المشكلة أو تلك.
وأذكر أنه عندما واجهت الأوبك، والدول المتعاونة معها، أثناء انخفاض الأسعار في عامي 1998-1999، مشكلة الإنتاج الإيراني، وكمية التخفيض المطلوبة، ونظراً للعلاقة الجيدة آنذاك بين المملكة وإيران، في فترة رئاسة كل من رفسنجاني، ومنتظري، وعلاقة الأمير سعود بوزير الخارجية الإيراني السيد كمال خرازي، قام سمو الأمير سعود الفيصل بالاتصال بوزير الخارجية الإيراني، مما ساعد في إيجاد حل لهذه المعضلة، ومن ثم عادت أسعار البترول إلى الارتفاع في منتصف عام 1999م، واهتمامات سموه بالشؤون الاقتصادية والتنموية والبيئية والبترولية متعددة، وتشمل جوانب عديدة، قد لا يسمح المجال بالحديث عنها جميعاً، غير أنني أود الإشارة إلى خمسة منها:
أولاً : قضايا البيئة والتغير المناخي، فعندما بدأت المحادثات الدولية حول التغير المناخي في أواخر الثمانينات الميلادية، على أساس أن هناك انبعاثات ضارة بالبيئة، تُسهم في التغير المناخي للكرة الأرضية، ومن ضمن مصادرها البترول والغاز، والتي تسعى بعض الدول إلى تقليص استخدامها، من منطلقات بيئية، أدركت وزارة البترول والثروة المعدنية، أن أي قرارات دولية كهذه، سوف تؤثر سلباً على مصالح المملكة، وبالذات على المدى الطويل، ومن هنا دخلت المملكة بقوة في هذه المفاوضات، وقد أعطى سمو الأمير سعود الفيصل أهمية خاصة لهذا الموضوع، ليس من حيث مناقشته مع وزراء الخارجية الذين يجتمع معهم فحسب، وإنما كذلك توجيهه للمسؤولين في وزارة الخارجية بالمشاركة في هذه الاجتماعات، وأخذ موقف قــــــوي وواضح، والتنسيق مع ممثلي وزارة البترول والثروة المعدنيــة، والتي كانت ولا زالت تمثل المملكة في هذه الاجتماعات، وتعمل على عدم اتخاذ أي قرار دولي ملزم، قد يضر باستخدامات البترول والغاز، على المديين القصير والطويل.
ثانياً : الاهتمام بالحياة الفطرية وإنمائها، فنتيجة لتدهور الحياة البرية الطبيعية في المملكة، المتمثلة في الحيوانات والنباتات البرية، الموجودة منذ آلاف السنين، هذا التدهور، كان نتاج الحياة الحديثة مثل الصيد الجائر غير المنظم، وقطع الأشجار وغير ذلك، ومن هنا، فقد قررت الحكومة في أواخر الثمانينات، وباهتمام خاص من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز _ يرحمه الله _ العمل على حماية البيئة الطبيعية للمملكة، وفي نفس الوقت عدم التضييق على المواطنين، ولذا فقد تم إنشاء المحميات الطبيعية، التي يمنع فيها الصيد الجائر، والإضرار بالنباتات والأحياء الطبيعية. وقد كان سمو الأمير سعود الفيصل – يرحمه الله – أهم المتحمسين لهذا المشروع، حيث رأس سموه اللجنة الوزارية المشكلة لهذا الغرض، الذي أصبح الآن أحد أهم مشروعات حماية البيئة في العالم، وقد كان سموه رئيساً لمجلس إدارة هيئة الحياة الفطرية وإنمائها لعدة سنوات، حتى أصبح المشروع ناجحاً بكل المقاييس.
ثالثاً : إدراك سموه بأن الاقتصاد من أهم أعمدة الدولة الحديثة، وهذا يشمل، الاهتمام بالعلاقات الثنائية الاقتصادية المشتركة، فمن المعروف أن العلاقات الخارجية لأي دولة تشمل عدة جوانب، ولا تقتصر على الجوانب السياسية، فهي تشمل الجوانب الثقافية، والإنسانية، والإعلامية، وغيرها. إلا أن أحد أهم هذه الجوانب، هو الجانب الاقتصادي، مما يعني إنشاء علاقات اقتصادية متميزة وبنّاءة مع الدول الأخرى، بما يخدم مصالح المملكة. وكان صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل يعطي هذا الجانب أهمية خاصة، وخاصة جداً. وقد كان سموه مهتماً بشكل خاص بمنظمة الدول المصدرة للبترول ( الأوبك ) وأهمية استمرارها وتقويتها، وأن يكون للمملكة دور رئيس فيها، كما أسهم سموه في انضمام المملكة إلى مجموعة العشرين، التي تضم أهم أكبر عشرين دولة في الاقتصاد العالمي.
رابعاً : الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، عندما بدأت المملكة بمبادرتها نحو الانضمام إلى اتفاقية( الجات )، التي تحولت فيما بعد إلى منظمة التجارة العالمية، في التسعينات الميلادية، نتيجة للدور المتزايد للمملكة في التجارة الدولية، قررت المملكة الانضمام لهذه الاتفاقية، وكانت مفاوضات الانضمام صعبة جداً، وتحتاج إلى جهود كبيرة، وقد أولى سموه هذا الموضوع أهمية خاصة نتيجة للمردود الإيجابي للانضمام على الاقتصاد السعودي، وعدم حدوث أي آثار سلبية عليه، وقد كلف سموه معالي الأستاذ مأمون كردي وكيل وزارة الخارجية للشئون الاقتصادية _ يرحمه الله _، الذي يعتبر أحد أفضل الكفاءات السياسية والاقتصادية في المملكة. وقد قام معاليه بدور مهم في هذا المجال، بإشراف مباشر من سمو الأمير سعود.
خامساً: تسهيل الإجراءات البيروقراطية لرجال الأعمال والمستثمرين الدوليين الراغبين في زيارة المملكة، لقد كان ترتيب تأشيرات الدخول، وزيارات رجال الأعمال من الخارج، الراغبين في الاستثمار في المملكة، أو إنشاء علاقات تجارية وصناعية مع رجال الأعمال السعوديين أمراً معقداً وصعباً، وليس في صالح الاقتصاد السعودي، وقد أدرك سموه هذه المشكلة وعمل على تذليلها، بالرغم من التعقيدات البيروقراطية التي كان سموه يشتكي منها شخصياً .. إلا أن المشكلة بدأت في الانفراج بشكل تدريجي، بحيث أصبح وضع إصدار تأشيرات الزيارة لرجال الأعمال للمملكة، أمراً ميسراً، بشكل أفضل من أي وقت مضى ".
واختتم معالي المهندس علي النعيمي كلمته قائلاً: " إن الحديث عن صاحب السمـــو الملكي الأمـــير سعــــــــــــــود الفيصــــــــــل _ يرحمه الله _ الإنسان، والمسؤول يطول ويطول، ولن أستطيع اعطــــــاءه حقه، فتعاملي، وشعـوري تجـــاه سمــــوه مـــــــن الصعـــب وصفـــــه .. رحــــم الله صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، الذي سيبقى علماً بارزاً فـي تاريخ هذه البلاد ".